صحابي مجاهد سابع سبعة أسلموا علي وجه الأرض شارك في غزوة بدر و أحد والخندق وشهد مع الرسول ﷺ المشاهد كلها فما نبا له سيف ولا أخطأت له رمية ، وهاجر الهجرتين وإنشاء مدينة البصرة ، قال عنه الفاروق عمر رضي الله عنه (ان لعتبة بن غزوان من الإسلام مكانا ) أنه الصحابي الجليل عتبة بن غزوان
عتبة بن غزوان
عتبة بن غزوان ولد في سنة 40 ق . ه صحابي من السابقين الأوليين في الاسلام فكان سابع سبعة ممن أسلموا علي ظهر الأرض ينتمي لأحد قبائل قيس عيلان وهي قبيلة بني مازن بن منصور ، وهاجر الهجرة الأولي للحبشة ثم هاجر الهجرة الثانية الي يثرب مع مولاه خباب والمقداد بن عمرو ونزلوا عند عبد الله بن سلمة العجلاني ، وقد أخي النبي ﷺ بينه وبين أبي دجانة وشارك عتبة في الغزوات كلها وعرف عنه أنه كان من الرماة المهرةفتح الأبلة وبناء مدينة البصرة
أدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة العشاء وهم بالذهاب الي مضجعه لأخذ قسطا من الراحة ، ولكن أمر المسلمين حال بين عمر وبين نومه فلقد تلقي رسالة تفيد بأن جيوش الفرس المحاربة للمسلمين كلما أوشكت علي الهزيمة جاءها المدد فتستعيد قوتها وتعود للقتال من جديد ، وكانت مدينة الأبلة أهم مصدر للمدد والعون لجيش الفرس بالرجال والمال والمؤنة
فقرر الخليفة عمر أن يرسل جيشا لفتح مدينة الأبلة وقطع الامدادات عن جيش الفرس ولكن تفاجأ عمر بقلة عدد الرجال في المدينة في ذلك الوقت لخروج معظم الرجال جهادا في سبيل الله في غزوات .
فعمد عمر علي خبرة وقوة القائد عوضا عن كثرة الرجال فأخذ يفكر فمن يعول عليه قيادة الجيش وله من القوة والخبرة والكفائة لتعوض نقص العدد حتي صاح قائلا : وجدته نعم وجدته وأمر أن يحضروا له في الصباح عتبة بن غزوان ، فعقد له الراية علي جيش مكون من ثلاثمائة وبضع عشر رجلا مع الوعد بمدده فيما بعد لما يتوفر لديه من الرجال .
وأوصي الخليفة عمر بن الخطاب القائد عتبة بن غزوان رضي الله عنهما قائلا :
( ياعتبة أني قد وجهتك الي الأرض الأبلة وهي حصن من حصون الأعداء فأرجو الله أن يعينك عليها ، فأذا نزلت بها فادع قومها الي الله فمن أجابك فاقبل منه ومن أبي فخذ منه الجزية عن صغار وذلة ، والا فضع في رقابهم السيف ، واتق الله يا عتبة فيما وليت عليه واياك أن تنازع نفسك الي كبر يفسد عليك أخرتك ، وأعلم أنك صحبت رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فأعزك الله بعد الذلة وقواك بعد الضعف حتي صرت أميرا مسلطا وقائدا مطاعا ، تقول فيسمع منك ، وتأمر فيطاع أمرك فيا لها من نعمة اذا هي لم تبطرك وتخدعك وتهو بك الي جهنم اعاذك الله و أعاذاني منها )
الصحابي الذي هزم الفرس بدون قتال
تحرك عتبة بن غزوان مع جيشه الصغير مصطحبا مع زوجته وعدد من نساء من زوجات الجنود وأخواتهم حتي وصل أرض قصباء لا تبعد كثيرا عن مدينة الأبلة ، فبدأوا يلتمسوا شيئا ليأكلونه لشعورهم بالجوع الشديد ، فبحثوا حتي عثروا علي التمر فأكلوا منه .وكانت مدينة الأبلة تقع علي شاطئ دجلة وكانت حصينة ذات أسوار عالية تحتوي علي أبراج لمراقبة الأعداء ويستخدمها الفرس كمخزن لأسلحتهم ومصدر مهم لإمدادهم بالمال والرجال علي الرغم من ذلك لم يمنع عتبة بن غزوان من غزوها بعدد قليل من الرجال والعتداد .
كان لابد من أعداد خطة لفتح مدينة الأبلة بهذا العدد الصغير من جيش عتبة ، وبالفعل أعد عتبة بن غزوان خطة ذكية للغاية فأمر النساء بالسير خلف الجيش وحمل الرايات علي أعواد الرماح وعند أقترابهم من مدينة الأبلة أمرهم بأثارة الغبار حتي يمتلئ به عنان الماء وعند وصولهم لمدينة الأبلة خرج لهم جنود الفرس فرأوا قدموهم عليهم فنظروا الي الرايات التي تحلق عالية وراء جيش المسلمين وللغبار الذي يملئ السماء خلفهم فدب في قلبوهم الرعب فقال بعضهم لبعض : أنهم طليعة الجيش ومن خلفهم جيشا جرارا يثير الغبار ونحن قلة ، فانطلقوا يحملون ما خف ثمنه وغلا ثمنه من حاجتهم وركبوا السفن الراسية في دجلة وفروا هاربين .
ليدخل عتبة وجيشه مدينة الأبلة فاتحا بدون أن يسقط جندي واحد من جيش المسلمين ، وغنموا مغانم عظيمة لا تعد ولا تحصي ثم قاموا بفتح المدن والقري المجاورة.
ومن صور كثرة الغنائم التي تركها الفرس وأغتنمها المسلمون أن أحد الرجال رجع الي المدينة فسأله الناس عن حال المسلمين في الأبلة ؟ فرد قائلا : واللهي تركتهم وهم يكتالون الذهب والفضة أكتيالا حتي صار الناس يشدون الرحال الي الأبلة .
بعد فتح مدينة الأبلة والمدن والقري المجاورة لها وإقامة الجنود فيها رأي عتبة بن غزوان رضي الله عنه أن الجنود سوف يتعودون علي لين العيش وسوف يتخلقون بأخلاق تلك البلاد وستقل عزائمهم لمواصلة القتال في سبيل الله ، فكتب عتبة لعمر بن الخطاب يستأذنه لبناء مدينة البصرة وحدد له المكان الذي اختاره لها لبنائه ، فوافق أمير المؤمنين علي ذلك .
بدأ عتبة ببناء مدينة البصرة فكان أول ما بناه هو مسجدها العظيم أول مسجد في الاسلام خارج مكة والمدينة ، ثم أقام الطرق وبناء البيوت ولكن أبي عتبة أن يبني لنفسه بيتا أو يسكن فيها فظل يسكن خيمة من القماش لأمرا كان في نفسه ، فلقد رأي إقبال الدنيا علي المسلمين في البصرة إقبالًا يذهل المرء عن نفسه وتعود رجاله علي مأكل الفرس بعد أن كانوا لاي عرفون طعاما أطيب من الأرز المسلوق بقشره فخشي علي دينه من دنياه وعلي أخرته من دنياه .
خطبة عتبة بن غزوان
ثم أستخلف عليهم رجلا منهم ورجع عائدا الي المدينة ، وعند وصوله ذهب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلب أعفائه من الولاية فرفض عمر فألح عليه عتبة فرفض وأمره بالعودة الي البصرة مرة أخري ، فوافق مكرها وركب ناقته وذهب الي البصر وفي طريقه دعا الله قائلا : اللهم لا تردني اليها .. اللهم لا تردني اليها ليستجيب الله عز وجل فلم يبعد أمتارا قليلة عن المدينة حتي تعثرت ناقته وخر صريعا وفارق الحياة سنة 17 هجريا عن عمر 57 سنة ودفن بالقرب من المدينة المنورة فرحم الله الصحابي الجليل ورضي الله عنه وأرضاه .أيها الناس ان الدنيا قد اذنت بالانقضاء ، وأنتم منتقلون عنها الي دار لا زوال فيها ، فانتقوا اليها بخير أعمالكم ، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ومالنا طعام غير ورق الشجر حتي قرحت منه أشداقنا ، ولقد التقطت بردة ذات يوم فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فاتزرت ( جعلتها تصف ازارا لي ) بنصفها ، واتزر بنصفها الأخر .فاذا نحن اليوم لم يبق منا واحد الا وهو أمير علي مصر من الأمصار ، وأني أعوذ بالله أن أكون عظيما عند نفسي صغيرا عند الله .
المراجع
تاريخ الإسلام للذهبيصور من حياة الصحابة - الدكتور عبد الرحمن رأفت باشا