الصحابي الذي اتسم بالحكمة والشجاعة والصبر علي البلاء والثبات علي الدين رغم ما قابله من تعذيب ليأبي ترك دين الله عز وجل وينقذ اسري المسلمين من الموت أنه الصحابي عبد الله بن حذافة
عبد الله بن حذافة
عبد الله بن حذافة السهمي وكنيته "ابي حذافة" صحابي جليل من صحابة رسول الله ﷺ ، وهو الذي قال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه " حق علي كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ بذلك " وكان من الذين أختارهم الرسول ﷺ لإيصال رسالته إلي كسري ملك الفرس حيث كان علي دراية بلغتهم وعاداتهم ، كما شارك مع رسول الله ﷺ في غزوة أحد وما بعدها من غزوات كما شهد فتح مصر .قصة عبد الله بن حذافة مع ملك الفرس
في السنة السادسة للهجرة عزم النبي ﷺعلي دعوة ملوك وأمراء العجم إلي الإسلام وكان رسول الله ﷺ قد جمع أصحابه وخطب فيهم قائلًا :" أما بعد ، فأني أريد أن أبعث بعضكم إلي ملوك الاعاجم ، فلا تختلفوا علي كما أختلفت بنو إسرائيل علي عيسي بن مريم "
ليرد صحابة رسول الله ﷺ عليه قائلين :
" نحن يا رسول الله نؤدي عنك ما تريد ، فابعثنا حيث شئت "
ولقد كان لأختيار رسول الله ﷺ لرسله ومبعوثيه عدة مواصفات منها : الشجاعة والصبر والعلم والفصاحة والحكمة وحسن التصرف
وكل هذه الصفات توافرت في عبد الله بن حذافة فكان ممن أختارهم النبي مع ستة من الصحابة لحمل رسالته لملوك إلي ملوك العرب والعجم .
أنطلق عبد الله بن حذافة إلي بلاد الفرس لايصال رسالة رسول الله ﷺ إلي كسري ملك الفرس ، وبعد شهر من المسير وصل عبد الله بن حذافة إلي بلاد الفرس وذهب قاصدًا قصر كسري الذي كان قصرًا كبيراً محاطاً بالاسوار والجنود ، فأخطر أحد الجنود بالرسالة التي يحملها إليه .
جمع كسري أمرائه واتباعه لحضور مجلسه كما أمر "بتزيين إيوانه " (١) وأمر بدخول عبد الله بن حذافة عليه .
دهل عبد الله بن حذافة علي كسري ملك الفرس واثق الخطي مرفوع الرأس مرتديا عبأة قديمة بسيطة تدل علي بساطة أعراب البادية .
فأمر كسري أحد جنوده أن يأخذ الرسالة من عبد الله بن حذافة ، فأبي وأصر علي تسليمها يدا بيد إلي كسري أمتثالا لأمر رسول الله ﷺ ، وبالفعل تسلم كسري الرسالة من يد عبد الله بن حذافة وكان قد جاء فيها :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلي كسري عظيم فارس ، سلام علي من اتبع الهدي ، وأمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاية الله ، فأني أنا رسول الله الي الناس كافة لينذر من كان حيا ويحق القول علي الكافرين فأسلم تسلم ، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك "وما أن قراء كسري بداية الرسالة حتي استشاط غضبا لأن رسول الله ﷺ بدأ بنفسه ، فأخذ الرسالة ومزقها دون أن يكمل مافيها ويقرائها .
وصرخ قائلًا : أيكتب لي هذا وهو عبدي ؟!!
وأمر بإخراج عبد الله بن حذافة من مجلسه ، فخرج عبد الله بن حذافة وركب راحلته وعاد إلي يثرب ، ليبلغ رسول الله ﷺ ما حدث فقال رسول الله ﷺ : " مزق الله ملكه "
وعندما هدأ كسري طلب عبد الله بن حذافة فلم يجده ، فطلبوه في طريق الي جزيرة العرب فوجوده قد سبق ، فأرسل رسالة إلي نائبه علي اليمن "باذان" يطلب منه أن يرسل رجلين قويين إلي النبي ﷺ ليحضروه إليه ، فأرسل "باذان " رجلين من خيرة رجاله إلي النبي ﷺ وفي طريقهما إلي الطائف استوقفا رجلًا من تجار قريش يسألونه عن رسول الله ﷺ فأخبرهم أنه في يثرب ، فأنطلقا حتي وصلا يثرب وذهبوا للقاء النبي ﷺ وتسلميه الرسالة وطلبوا منه أن يأتي معهم ، ليقول لهم النبي ﷺ أن يذهبوا ويأتوا في الغد .
وفي اليوم التالي ذهبوا للنبي ﷺ وقالوا له : " هل أعددت نفسك للمضي معنا إلي لقاء كسري ؟
ليقول لهم النبي ﷺ:
" لن تلقيا كسري بعد اليوم ..فلقد قتله الله ، حيث سلط ابنه " شيرويه " في ليلة كذا في شهر كذا ..."
فتعجب الرجلين مما قاله النبي ﷺ وانطلقا إلي "باذان" ليخبروه بما سمعوه ، فتعجب " باذان " وقال لأن ما قاله محمد صحيح فهو نبي ، وإن كان غير ذلك فسننظر في أمره .
وماهي إلا أيام قليلة حتي وصلت رسالة إلي " بازان " من " شيرويه " جاء فيه :( أما بعد فقد قتلت كسري ، ولم أقتله إلا انتقاماً لقومنا ، فقد استحل قتل أشرافهم وسبي نسائهم وانتهاب أموالهم ، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن عندك )فما أن قراء "باذان" الرسالة حتي إعلان إسلامه هو ومن معه من الفرس في بلاد اليمن .
قصة عبد الله بن حذافة مع قيصر ملك الروم
في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي السنة التاسعة عشر من الهجرة أرسل عمر بن الخطاب جيشا لمحاربة الروم وكان من بين جنوده عبد الله بن حذافة ، وكانت قد وصلت لمسامع قيصر ملك الروم ما عليه جنود المسلمين من العزيمة والإيمان والشجاعة وثبات العقدية و جهادهم بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله ، فأمر جنوده إذا وقع أحد من جنود المسلمين في الأسر أن يبقوا عليه ويحضروه له .فوقع عبد الله بن حذافة في الأسر في يد جنود قيصر فذهبوا به إلي ملكهم كما أمرهم .
نظر ملك الروم إلي عبد الله بن حذافة وقال له : أني أعرض عليك أمراً
فقال عبد الله : ماهو ؟
فقال له قيصر : تتنصر ، وإن فعلت ذلك أطلقت سبيلك وأكرمت مثواك
فقال عبد الله بن حذافة : هيهات إن الموت لأحب إلي ألف مرة من أن أفعل ذلك .
فقال قيصر : أني أراك رجلا شهما ، فأن وافقت لما أعرضه عليك ، أشركتك في أمري و قاسمتك سلطاني .
فقال عبد الله : والله لو أعطيتني جميع ماتملك وجميع ما ملكته العرب والعجم علي أن أرجع عن دين محمد طرفة أعين فما فعلت .
فقال قيصر : أذن أقتلك
فقال عبد الله : أنت وماتريد .
فأمر قيصر جنوده بصلب عبد الله بن حذافة وأمر برميه بالرماح وهو يعرض عليه أن يترك دينه ، فأبي عبد الله بن رواحة ، فطلب قيصر من جنوده إنزاله وأن يأتوا بقدر كبير فيه زيت وأن يضعوه علي النار حتي الغليان وأمر بإحضار أسيرين من المسلمين فأمر بقذف أحدهم في القدر الذي به الزيت المغلي حتي تفتت لحمه وظهرت عظامه .
فالتفت قيصر إلي عبد الله بن حذافة وعرض عليه التنصر فرفض وأصر علي موقفه وثباته ، ليأمر القيصر جنوده بأن يلقوه في القدر الذي ألقي به صاحبه .
فدمعت عينا عبد الله بن حذافة ليخبر الجنود قيصر ببكاء عبد الله ، فظن قيصر أنه قد خاف وطلب منهم أن يأتوا به إليه .
فسأله : ما الذي أبكيك ؟
فقال عبد الله : أبكاني أني قلت في نفسي : تلقي في هذا القدر الان فتذهب نفسك ، وكنت تشتهي أن يكون لي بكل شعرة في جسدي أنفس فلتقي في هذا القدر في سبيل الله .
فقال له الطاغية قيصر ملك الروم : هل لك أن تقبل رأسي وأخلي سبيلك ؟
ليرد عبد الله : وعن جميع اسري المسلمين ؟
فقال قيصر : نعم وعن جميع اسري المسلمين
فحدث عبد الله نفسه قائلا : اقبل رأس عدو من أعداء الله حتي يخلي سبيلي وجميع اسري المسلمين ، لا ضير عليا في ذلك
فقبل رأس قيصر ملك الروم فأمر الطاغية بإطلاق سراحه ومن معه من اسري المسلمين ، وعندما رجع إلي المدينة ذهب إلي عمر بن الخطاب وقص عليه ما فعله ، فعمر لما فعله سرورا كبيرا وقال له وهو ينظر الي اسري المسلمين : " حق علي كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة ، وأنا أبدأ بذلك فقام وقبل رأسه "
المراجع
١- مجلس كبار القوم٢- الاصابة في تمييز الصحابة ( طبعة مصطفي محمد ) ٢٨٧/٢- ٢٨٨
٣- صور من حياة الصحابة ٢٤
٤- تاريخ الإسلام للذهبي ٢/٨٨