-->
U3F1ZWV6ZTkxOTM0NzAwNjBfQWN0aXZhdGlvbjEwNDE0OTMzNDQ0Ng==
recent
الأحدث

معركة القادسية


كان الانتصاران العسكريان الإسلاميان الكبيران عام 636، معركة اليرموك ضد البيزنطيين ومعركة القادسية ضد الفرس الساسانيين، حاسمين سواء من الناحية العسكرية البحتة أو من الناحية الجيوسياسية، لقد غيرا مسار كل من الإمبراطوريتين المهزومتين، بحيث لن يتمكن البيزنطيون من الاحتفاظ مرة أخرى بأراضي كبيرة جنوب الأناضول، ولن يصمد الساسانيون مرة أخرى، لقد غيرا مسار تاريخ العالم، ليحلا محل الإمبراطوريتين الزائلتين القوى العظمى الإقليمية التي ظهرت وقتها يحركها دوافع دينية، إنها الخلافة الراشدية.

 قوة المسلمين

كانت الخلافة الراشدية تبلي بلاءً حسناً، نهاية حروب الردة في 633 وضعت كل شبه الجزيرة العربية تحت سيطرة الخلفاء الراشدين، ثم أرسل الخليفة أبو بكر جيشا بقيادة القائد الأكثر خبرة وجرأة خالد بن الوليد لنشر الاسلام في نواحي العراق، لقد حقق خالد نجاحاً باهراً، حيث هزم الفرس في سلسلة من المعارك التي جعلته خلال عام يسيطر على كل جزء من العراق تقريباً خارج العاصمة الفارسية.

ضعف الفرس

وعلى النقيض من ذلك، كان الفرس بالفعل في حالة سيئة قبل القادسية، بسبب هزيمتهم الأخيرة في حربهم 602-628 ضد البيزنطيين والاضطرابات السياسية والاجتماعية التي تلت ذلك، انتهت الحرب بعد أن أطاح الأمراء بالحاكم الساساني خسرو الثاني وحل محله ابنه كافاد الثاني.
وتفشي وباء أضعف الإمبراطورية التي تعرضت للضرب بالفعل، سواء بسبب الخسائر العالية في الأرواح ولأن أحد الضحايا كان الملك الجديد كافاد، الذي توفي بعد بضعة أشهر فقط من عهده، وقد بدأت وفاته حرباً أهلية انتهت أخيراً عندما توج حفيد خسرو الثاني البالغ من العمر 8 سنوات، يازديجيرد الثالث في عام 632.
من الواضح أن الإمبراطور الجديد كان صغيراً ليحكم في حد ذاته، وهكذا كان القائدان رستم فروخزاد وبيروز خسرو يملكان السلطة الحقيقية في الإمبراطورية.

أين وقعت معركة القادسية

لقد كانت معركة القادسية نصرا جديدا مباركا في تاريخ الإسلام والمسلمين، لقد دارت رحاها عام  من الهجرة في منطقة تسمى القادسية، بين جيش المسلمين الذي قاده سعد بن أبي وقاص، وجيش الفرس الذي قاده رستم فرخاذ، وانتهى الأمر عندما قتل رستم وانهزم جيشه.
لقد قطعت المعارك السابقة الدائرة بين كلا الفريقين شوطا كبيرا للوصول لهذه المرحلة الحاسمة التي تنهي وجود الكيان الفارسي في العراق، بينما تسمح لنشر دعوة الاسلام.

  أسباب معركة القادسية

 كان لانهزام الفرس في معركة البويب عامل كبير دفع بالساسنين إلى اتهام قاداتهم بالضعف بسبب الفرقة والاختلاف، فاجتمعوا على أن يجعلوا يزدجرد وهو من سلالة كسرى ملكا عليهم، وأجمعوا أمرهم على رد اعتبارهم أمام المسلمين، فخرج يزدجرد مع قوته إلى المسلمين، ولما علم عمر بن الخطاب بالأمر خرج من المدينة بمن معه إلا أنه تراجع بعد استشارة أصحابه عن قيادة الجيش بنفسه ووضع على رأسه أحد قادته البارزين سعد بن أبي وقاص.

أعداد المقاتلين من الطرفين

بلغ قوام جيش سعد بن أبي وقاص 4 ألاف مقاتل، وما لبث أن أمده بألفين من الجنود اليمان، ثم ألفين من جنود نجد، بالإضافة إلى ذلك أمر المثنى اللحاق به مع جيشه البالغ 8 ألاف، وهكذا توالت إمدادات الخليفة للجيش حتى وصل إلى 30 ألف منظمين على أحسن ما يكون النظام.
وفي المقابل خرج القائد رستم الذي عينه يزدجرد على رأس جيش الفرس الذي بلغ 120 ألف مقاتل، لم يكن هذا فحسب بل حرص على تزويد جيشه بالأفيال التي بلغت 33 فيلا.

أحداث معركة القادسية

لقد قام الفرس بعبور النهر استعداد لبدء معركة القادسية الفاصلة، وفي الجهة الأخرى جهز سعد جيشه ماديا ومعنويا، وأمرهم بطاعة قائدهم بالإنابة خالد بن عرفطة، وذلك لأن سعدا لم يكن يقوى على قيادته بنفسه بينما أصابته الدمامل بحيث لا يستطيع ركوب فرسه، فكان يقود المعركة من أعلى قصر قديم بين الصفين.

اليوم الأول

ولما التحم الفريقان نفرت خيول المسلمين من الفيلة التي ركز بها الفرس على قبيلة بجيلة من جيش المسلمين، وبالكاد انقذهم سعد عندما بعث لهم بني أسد الذين أبلوا حسنا وردوا هجوم الفيلة.
لكن الفيل أعادة الكرة مرة أخرى وزادوا الهجوم على قبيلة بني أسد، فاستعان القائد سعد برجل يدعى عاصم بن عمر التميمي ليرى ما يمكن فعله لصد تلك الهجمات الشرسة، فقام على الفور بقطع الحبال التي تربط التوابيت الحاملة لأصحاب الفيلة، فسقط أصحابه تحت أقدام فيلتهم حتى أهلكتهم.

اليوم الثاني

وفي اليوم الثاني جاءت الإمدادات من الشام بجيش القعقاع مع هاشم بن عتبة على رأس 6 ألاف مقاتل، ولما بدأ القعقاع المبارزة استطاع تحقيق نصرا جديدا للمسلمين، فلما التقا الفريقان قاتل المسلمون بمعنويات مرتفعة أكثر جراء ما حدث بالأمس من كسر توابيت الفيلة، لقد أمر القعقاع بعض من جنوده بأن يفعلوا بالخيول ما فعلوه بالفيلة أمس، مما جعل خيولهم تفر من المسلمين.

اليوم الثالث

ومع بداية اليوم الثالث كان الفرس قد خسروا من جيشهم عشرة آلاف بين قتلى وجرحى، بينما استشهد من جيش المسلمين ألفى رجل، والجدير بالذكر أن الفرس أصلحوا أمر فيلتهم لتعود للمعركة من جديد، فاستلمهم المسلمون بالطعن في أعينهم وسرعان ما ولوا هاربين ناحية جيش الفرس، لقد انتهز القعقاع الفرصة وحمل على جيش الفرس حملة قوية مع أخيه عاصم، واستمر القتال إلى الصباح في ليلة لا تنسى على كلا الطرفين إذا لم يكن يسمع فيها سوى صوت السلاح.

اليوم الرابع

وفي ظهيرة اليوم الرابع أدرك المسلمون أن النصر سيكون حليفهم لا سيما بعد الثبات الذي بثه فيهم القعقاع، لقد أعانهم الله بريج اقتلعت خيمة القائد الفارسي رستم، ولما توجه إليه القعقاع فر هاربا مختبئا فلما انكشف أمره ألقى بنفسه في النهر، لكن لم يستطيع النجاة إذ لحقه هلال بن علقمة واخرجه من النهر وقتله، ونادى في الجيش أنه قتل رستم، وما لبثت معنويات المسلمين أن تعالت، بينما فر الفرس هاربين يتساقطون في النهر وخلفهم المسلمون يطاردونهم بأمر من عمر بن الخطاب حتى لا يتركوا منهم أحدا.

نتائج معركة القادسية

لقد كان يوم معركة القادسية يوما مشهودا في تاريخ الدولة الإسلامية، ترتبت عليه العديد من النتائج التي غيرت مسار تاريخ العالم، ومن تلك النتائج:
·       اتضح بعد معركة القادسية مصير الدعوة الإسلامية في العراق، حيث أصبح منذ ذلك الحين تابعا للخلافة الإسلامية حيث لم يعد هناك مانع لنشر دعوة الإسلام به، لقد أسلم من جيش رستم وحده ما يقرب من أربعة ألاف رجل بعدما انتهت المعركة، وفي المقابل دخلت العديد من القبائل العربية في العراق إلى الإسلام.
·       كان هذا الانتصار المبارك بداية لسلسة من الانتصارات الإسلامية، حيث تلاه فتح المدائن، وفتح حلوان، ومعركة جلولاء.
·       لقد كان من نصيب المسلمين جراء تلك المعركة الكثير من غنائم الفرس الذين لم يكن يتوقعوا تلك الهزيمة، وكان من ضمن تلك الغنائم راية الفرس الكبرى، والتي زينت بالكثير من أحجار الياقوت واللؤلؤ بمساحة 96 ذراع مصنوعة كلها من جلود النمر، وكانت معروفة لدى الفرس باسمها درفش كابيان.


الاسمبريد إلكترونيرسالة