-->
U3F1ZWV6ZTkxOTM0NzAwNjBfQWN0aXZhdGlvbjEwNDE0OTMzNDQ0Ng==
recent
الأحدث

الطلاق .. الأسباب وطرق الوقاية (1)

 الطلاق .. الأسباب وطرق الوقاية (1)

218 ألف حالة طلاق في مصر عام 2020 وفق الإحصاءات الرسمية، وما خفي كان أعظم، ويُعِد المتابعون ذلك نسبة مُرضية بالنسبة لمثيلتها عام 2019، تلك النسبة هي من أصل 900 ألف حالة زواج ذلك العام، في الحقيقة هذا رقم مخيف ومؤشر خطر يهدد المجتمع بأسره.

لكن الأهم هو: هل بقية الزيجات ناجحة ومستقرة؟ هل ينعم أفرادها من الزوجين والأولاد بالدفء الأسري والسكينة والتوافق والتآلف والاستقرار النفسي... إلى غير ذلك من قائمة طويلة من المتطلبات الأساسية للحياة؟

والجواب للأسف لا؛ فكثير من الأزواج يعيشون طلاقا فعليا دون تدوين ذلك في وثائق وزارة العدل، ودون أن يلقي الزوج على زوجته يمين الطلاق، ودون أن تترك الزوجة بيتها، إنه الطلاق المعنوي يا سادة.

طلاق عاطفي، طلاق توافقي، طلاق شعوري، طلاق حواري، طلاق تراحمي، طلاق حميمي بالمعني الذي يشبع الغريزة الفطرية ويعين على العفة والطهارة وغض البصر لكلا الطرفين، طلاق يدمر المشاعر ويوهن الأبدان ويؤرق الوجدان، طلاق يدمر نفسية الأولاد ويبعثر سكينتهم ويقض مضجعهم، طلاق يجني ثمرتَه نبتةٌ مشتركة لا ذنب لها إلا أنها نشأت في بيئة غير مناسبة وتربة تنقصها عناصر كثيرة تغذي جذورها وسيقانها وتجعلها زهورا متفتحة ذات ثمار يانعة في بساتين من السعادة والسواء النفسي.

من هنا تبدأ مشكلة الطلاق

ليس الطلاق بشقيه؛ الحقيقي والمعنوي حدثا آنيا ولا وليد لحظته، بل له مقدمات تؤدي حتما إليه، وإرهاصات تدل عليه، نوجز أبرزها في النقاط التالية:

أولا: غياب ثقافة إعداد الشباب والشابات

فهم بحاجة إلى إفهامهم طبيعة الزواج وأهدافه ومراميه ومزاياه ومشكلاته المحتملة وطرائق حلها، وفهم طبائع الجنس الآخر ومتطلباته وما يختلف فيه جنسه عنه، وبحاجة إلى معرفة أسس الاختيار الصحيح وفق متطلباته (هو أو هي)، والتي تختلف من شخص إلى شخص، وتتباين وتتفاوت حسب سيكولوجيته وطبيعته وخبرته وثقافته وتعليمه وسوائه النفسي والاجتماعي.

فما يصلح لهذا لا يناسب ذاك، وما يسعد هذه يُتعس ويكسر تلك، والأذواق والميول نسبية لا ضابط لها في الغالب، غير أن هناك حدا أدنى من المعايير التي لا يختلف عليها أحد، وما نتحدث عنه من فهم معايير الاختيار له حيثياته وضوابطه التي سنتناولها بشيء من التفصيل في السطور التالية.

ضوابط الاختيار في الزواج:

الضابط الديني

وضع لنا الإسلام الروشتة التي تحسم موضوع الاختيار بين الجنسين؛ فقال للشاب "اظفر بذات الدين..."، وليس معنى ذلك ألا يختار من تأنس إليها نفسه من صاحبة الجمال أو التعليم أو الرقي أو المستوى الاجتماعي العالي؛ فكل ذلك وغيره من كونها غنية أو ذات حسب ونسب لا مشكلة فيه، لكن شريطة أن تكون ذات دين.

فإن كانت ذات دين وفيها من تلك الصفات فهو خير إلى خير، لكنّ التحذير هو من جعل تلك المعايير هي المقياس الأساسي وجعل الدين هامشيا، وهذا هو المقصود والمعني؛ فلو خُيرتَ جدلا بين متدينة جمالها متواضع وبين جميلة لا دين لها أو دينها هش، فذات الدين هي التي تناسبك، ولن تدرك ذلك إن خالفت المنهج إلا متأخرا في وقت تعض فيه أصابع الندم لكن دون جدوى.

هذا فيما يخص اختيار الذكور، وأما فيما يخص الإناث فإن الأمر أشد تحفظا وآكد تدقيقا، بسبب أن ولي البنت هو الذي يكون له النصيب الأوفر في القرار؛ لذا وجب التحري والتدقيق؛ وقد أوصانا الرسول الكريم قائلا: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

ولو دققنا في النص لوجدنا الأسلوب الشرطي الذي مؤداه أن المقدمات حتما تؤدي إلى النتائج، وأن غيابها يؤدي حتما إلى غياب النتائج؛ فإن قبلتَ صاحب الدين والخلق إذا تقدم إلى ابنتك وتغاضيت عما سوى ذلك في الحدود المقبولة فقد قبلت شرط رسول الله وحينها أبشر بموعوده صلى الله عليه وسلم، أما إن خالفت ذلك وفضلت صاحب المال أو صاحب الجاه على صاحب الدين، فسوف يكون ما حذر منه النبي لا محالة – وهو ما نعانيه الآن – من الفتنة والفساد الكبير، كالطلاق والحياة الكئيبة والفساد الخلقي الذي تعج به مجتمعاتنا.

ضابط الكفاءة

ومن ضوابط الاختيار التي يغفلها الكثير جهلا بأثرها الفاعل ضابط الكفاءة؛ وهي تعني الكفاءة المادية والعلمية والمجتمعية وتكافؤ الطباع والميول والقناعات، كل ذلك وغيره كثير، لا بد من وضعه في الحسبان من قِبل الشاب وكذلك الفتاة ووليها قبل القبول بالعريس من عدمه، وحريٌّ هنا أن نؤكد أن التكافؤ يكون في بعض الحالات ضروريا وإغفاله يؤذن بالفشل، في جوانب الفهم والفكر والثقافة؛ حتى لا يكون البون شاسعا بين الطرفين بتفوق الشاب أو الفتاة عن شريكه في ذلك بصورة مفرطة مما يؤدي إلى عدم التوافق وإلى التنافر حتى.

وفي بعض الحالات يكون تفوق الرجل على المرأة مطلوبا لكن بشكل غير مبالغ فيه مثل الثراء والعلم وغيرهما، ولا يُنصح بعكس ذلك من تفوق المرأة على الرجل لان مقومات هدم تلك الأسرة ستكون مع مقومات بنائها.

الضابط النفسي

من الثقافات الغائبة بشكل كبير في مجتمعاتنا – للأسف الشديد – إهمال الثقافة النفسية ومحاولة تقييم الأفراد نفسيا ومن ثم تقويمهم والأخذ بأيديهم إلى السواء النفسي والهروب من ويلات الاضطرابات النفسية والضلالات التي تجعل حياة الشخص جحيما لا يطاق، ويكون أثر ذلك أشد ما يكون في حالات الزواج؛ بسبب أن غير المتزن نفسيا أو من لديه اعتلال نفسي ما، يكون أثر ذلك عليه وحده قبل الارتباط والزواج، فإذا ما تزوج – شابا كان أم فتاة – فإنه يصبغ محيطه الأسري بذلك الاعتلال؛ فيملأ عش السكينة بالضجيج ويحيل حياة الشريك والذرية جحيما لا يطاق، ويكون له ما بعده من الآثار السلبية المتراكمة المترتبة عليه.

ومن هذا المنطلق وجب على الشاب أو ولي الفتاة التأني والبحث جيدا قبل اتخاذ القرار؛ وذلك بالبحث في التاريخ الأسري له أو لها؛ بسبب أن الجانب الوراثي له دور كبير في ذلك، كما أن فترة الخطوبة لها دور كبير في اكتشاف ذلك مبكرا والعزوف عن خوض التجربة قبل التعمق فيها؛ لأن الخطوبة هي وعد بالزواج وليست زواجا، وفشلها أيسر وأخف وطأة من فشل الزواج.


الضابط التحضري

وهذا الضابط قد يكون بينه وبين ضابط الكفاء صلة من جهة ما؛ فكون أحد الطرفين يتمتع بتحضر عيشي وحياتي ورقي تعاملاتي وما يسمى (بريستيج) عالٍ، ثم يُلقى في براثن شريك عشوائي يعيش عيش (السبهللة) دون ضابط أو وازع من رقي أو تحضر أو مراعاة شعور الطرف الآخر؛ فإن ذلك هو حكم بالإعدام عليه، وأكبر معول هدم في تلك العلاقة.

ولتفهم ذلك خذ مثالا عليه رجلا يدخل غرفة نومه بملابسه التي كان بها طوال اليوم في الشارع بما عليها من أتربة وما يحمله في طياته من روائح ليجد أنثى متأهبة متجملة متطيبة، فيقع عليها كما يفعل البهيم؛ فهل تدوم علاقة كهذه.

ومثل ذلك رجل يأتي من عمله منهكا بيده وردة حمراء يطرق باب بيته لتفتح له امرأة منكوشة الشعر متسخة الثياب، يخرج منها روائح الطبخ والبصل والثوم، فهل ذلك شيء يستساغ؟

لا تظن أن تلك الأمور سهلة يسيرة، وأنها لا تأثير لها في الحياة الأسرية، بل إن الخبرات التراكمية تثبت أن هذه من أشد الآفات فتكا بالأسر والزيجات الحديثة.

تكلمنا عن أن من أسباب المشكلة غياب ثقافة إعداد الشباب من الجنسين، وعن بعض ضوابط اختيار شريك الحياة.
لكن بقي أن نكمل تلك الضوابط، وأن نكمل الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق؛ لنصل في نهاية المطاف إلى وصف العلاج لها.
لكن حتى لا يطول المقام بنا سنكمل في مقالات لاحقة إن شاء الله تعالى وقدّر.

الاسمبريد إلكترونيرسالة