-->
U3F1ZWV6ZTkxOTM0NzAwNjBfQWN0aXZhdGlvbjEwNDE0OTMzNDQ0Ng==
recent
الأحدث

قائمة الزواج .. احد أسباب فشله أم ضمانة لبقائه؟

قائمة الزواج .. احد أسباب فشله أم ضمانة لبقائه؟

(مَنْ يُؤتمن على العرض لا يُسأل عن المال .. اتق الله في كريمتنا)، تلك كانت العبارة التي شغلت الناس في عموم مصر في الأيام الماضية، ولا يزال صداها إلى الآن، ما بين مؤيد ومُعارض .. قائمة الزواج - أو قائمة المنقولات كما هو اسمها الصحيح – تحدث ضجيجا لافتا في هذه الفترة، ولعل ذلك كان واضحا في (الترند) الذي انتشر مؤخرا على خلفية تساهل أحد أولياء الأمور مع صهره فيما يخص القائمة.

لكن ثمة تساؤلات تطرح نفسها بشكل ملحٍّ، من خلالها تتضح الصورة كاملة ويزول الالتباس عنها، تتمثل تلك التساؤلات في الآتي:

أولا: هل قائمة المنقولات شرط من شروط العقد الصحيح؟

والجواب بالطبع لا؛ إذ إن العقد له شروط بها تكون صحته وباختلالها يشوب العقدَ العوارُ، وهذه الشروط هي (وليُّ العروس والشاهدان والتراضي والصداق والإحصان والكفاءة وصيغة الإيجاب والقبول)، وهذه الشروط فيها بعض الاختلافات بين أهل العلم، لكنْ إجمالا إذا اجتمع قوم وطلب رجل من رجل أن يزوجه ابنته أو موكلته ووافق وليها بعد إعلامها وشهد على ذلك شاهدا عدل وكان ذلك مشهرا أمام الناس؛ فذلك عقد صحيح من الناحية الشرعية، ثم يأتي بعد ذلك دور التوثيق لإثبات الحقوق، فأين موقع تلك القائمة في شروط صحة العقد أو حتى شروط كماله؟!

ثانيا: ما هو الشكل الصحيح فيما يخص النفقات وتجهيز مسكن الزوجية؟

الزوج جعل الله له القوامة بما يلزمه من النفقة على أسرته وتوفير كل التزامات بيته وزوجه، والشرع والعرف السليم أن يوفر الزوج السكن وأن يجهزه من الألف إلى الياء، مما تستقيم به الحياة الأسرية، وليس على الزوجة أو وليها أي شيء من ذلك، اللهم إلا ما تجود به نفس وليها من هدية يقدمها لها يطيب بها خاطرها.

ومن الممكن بالتراضي أن يجعل وليُّ العروس هديته شيئا مما يجهز به سكن الزوجية ويخبر بذلك صهره تيسيرا عليه حتى لا يشتريه هو أيضا، غير أن ذلك هو شيء ليس ملزما، وليس كما يفعله الناس هذه الأيام من تكبيل ولي العروس نفقات تنوء بحملها الجبال، كما سنوضح في السطور اللاحقة.

ومن الممكن أن تجهز العروس ملابسها وحاجياتها الشخصية التي قد لا يتقن الزوج شراءها ومن الممكن أن تعتبر هذه هي هدية العرس من وليها.

ثالثا: تفصيل بعض الجوانب المرتبطة بالعقد مما يخفى أمره على الناس

هناك أشياء لا يفقهها غالب الناس وتكون سببا في وضع الأمور في غير نصابها، ومن ذلك:

·       أن المهر أو الصداق من الممكن أن يكون كله مقدما ولا يؤخر منه شيء، لأن علة التأخير هي عدم استطاعة الزوج دفع كامل المهر؛ فيدفع ما يستطيع، ويسمى الباقي مؤخرا، وليس كما يظن البعض من أنه أمر لازم يدفعه الزوج حال الطلاق.

·       مؤخر الصداق هو دين على الزوج وليس مرهونا بالطلاق؛ بل ينبغي على الزوج أن يعطيها إياه عندما يكون متوافرا لديه بعد الزواج أو أن تتنازل هي عنه بنفس راضية، وإذا مات الرجل ولم تكن الزوجة أخذت ذلك المؤخر ولم تكن قد برّأته منه فهو دَين يجب إخراجه من التركة قبل تقسيمها إلا أن تحلله منه.

·       الصداق من الممكن أن يكون مالا سائلا أو شيئا عينيا مثل ذهب أو خلافه، وقد يكون هذا وذاك حسب الاتفاق.

إذن فأين تكمن المشكلة؟

لنعرف مكمن المشكلة فلا بد أن نستعرض ما يحدث على أرض الواقع ونبين مواطن الخطأ التي أوصلتنا إلى هذه الحالة المزرية، فنرى الشاب يتقدم لخطبة الفتاة ويكون شغل أهل العروس الشاغل: كم سيقدم مهرا أو كم جراما من الذهب سيقدم، ثم كم سيدفع للعَشا (وهذه تسمية يختص بها أهل الصعيد وكانت في السابق ثمن ما يصنعه أهل العروس للعروسين من أطعمة ليلة العرس ويوم الثالث والسابع والخامس عشر والأربعين)، وكان مبلغا مناسبا لا مغالاة فيه.

لكن مع تكبيل والد العروس بشراء جهاز الشقة أصبح ما يأخذه تحت اسم (العَشا) إنما يستعين به على جهاز ابنته، وأصبح مبالغ كبيرة جدا، ثم يُطلب منه تحديد مبلغ القائمة، وهنا بيت القصيد.

الحياة صعبة والشباب ترهقه متطلبات الزواج من توفير السكن وتجهيزه بكل متطلباته، ثم هو مطالب بمهر وطلبات عرس وعروس، وكانت الأمور في السابق سهلة يسيرة فلم تظهر تلك المعضلات التي سببها الناس لبعضهم البعض، وشددوا فشدد الله عليهم.

ومع تفاقم المشكلة وعجز الشباب عن القيام بكل تلك الالتزامات بدأ أهل الزوجة بالمساعدة؛ ففي الوجه البحري بدأ الطرفان يتشاركان في تجهيز السكن حتى أصبح ذلك كأنه حق واجب على أهل العروس؛ فيتفق الطرفان مثلا على أن يأتي الزوج بغرفة النوم والمطبخ بمشتملاته؛ وتلتزم الزوجة بتجهيز غرفة الصالون وغرفة الأطفال مثلا، وجرى ذلك مجرى العادة حتى صار حقا مكتسبا للزوج يطلبه هو وأهله بجسارة، وهنا بدأت المشكلة بالتكوّن.

أما في الصعيد فكان الأمر أكثر تعقيدا؛ فقد التزم الزوج بشراء غرفة النوم والأنتريه والأطفال، وأصبح واجبا على أهل الزوجة تجهيز كل شيء بعد ذلك من أجهزة كهربائية ومطبخ بمشتملاته ونيش بمعروضاته، وما أدراك ما النيش، وما يسببه من مشكلات عاتيه تكاد تطيح بأمن واستقرار أسرة الزوجة بين والدها ووالدتها! ناهيك عن المفروشات والستائر وألبسة العروس، بل تعدى الأمر إلى كسوة العريس حتى.

والآن جاء الدور على القائمة أن تُعِنَّ وتطل برأسها

من الطبيعي أن يطلب والد الزوجة كتابة قائمة تصل في بعض قرى الصعيد الذي أنا منه إلى نصف مليون جنيه؛ لما أنفقه من مال كان مدّخرا قصم ظهره، أو لما باعه من أرض ورثها عن والده، أو لما اقترضه من البنوك أو الذين يقرضون بالربا.

كما أنه من المنطقي أن يطلب من العريس تحت تسمية (العَشا) خمسين ألفا أو سبعين حتى؛ ليستعين به على تلك المنقولات التي أكثرها لا فائدة منه، وأغلبه تم شراؤه فقط لأن بنت جارتنا فلانة اشترته.

ومن المستساغ أن يطلب منه عشرين سيارة لنقل العفش الذي يكفيه سيارتان أو ثلاث، لكنه يريد أن يظهر أن ما دفع فيه (دم قلبه) كما يقولون هو كثير تحمله سيارات كثيرة، ومن جانب آخر يكون لديه سلوك عدواني تجاه ذلك العريس الذي كبله بالديون و(خرب بيته) باللهجة الدارجة.

ما هو الحل الأمثل لتلك المشكلة؟

في خضم أمواج الصراعات الأسرية المتلاطمة، والتجاذبات المتأججة، لا بد من طرح رؤية فيها الخير للجميع، وألخصها في النقاط التالية:

·       أن يلتزم العريس بتقديم ما تيسر من المهر على شكل نقود أو ذهب أو أي شيء ما يتم الاتفاق والتراضي عليه، لكن مع مراعاة التيسير؛ فليس الأمر صفقة تباع فيها العروس وتشترى، كما أن الزواج الذي يكون فيه اقتصاد في النفقات والتكاليف تكون فرص نجاحه كبيرة، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أقلُّهن مؤنة أكثرهن بركة، وحتى يجتهد في تجهيز المسكن الذي هو أهم شيء في مؤنة الزواج.

·       أن يلتزم العريس بتجهيز مسكن الزوجية من الألف إلى الياء، ولا تكون العروس ولا أهلها ملزمين بشيء مطلقا، وفوائد ذلك كثيرة، منها أنه سوف يقتصر فقط على ما يلزم بيته وأنه لن يكبّل نفسه بما لا فائدة منه كما تفعل أمهات الزوجات تفاخرا أو حتى لا يقال عليهم أنهم أقل من بيت فلان وعلان.

·       ألا يكون الزوج ملزما بدفع ما يسمى (العشا)؛ لأنه لن يشتري أهلُ الزوجة شيئا من جهاز السكن، ولأن تلك الأموال كانت تؤخذ تحت هذا الاسم والحقيقة أنها تدخل في ثمن جهاز العروس.

·       ألا تُكتب قائمة؛ لأنها تسمى قائمة المنقولات، ويقصد بها ثمن ما تم نقله من بيت أهل العروس إلى بيت زوجها، ولأنه لم يتم نقل شيء فما هو المسوغ لكتابتها؟

لكن تبرز هنا مشكلة مفادها أن هذه الزوجة ستكون رخيصة على زوجها، ومن الممكن أن يطيح بها وقتما يشاء، والرد هنا أنك لا بد أن تختار من يتقي الله، ومن إذا أحبها أكرمها وإذا كرهها لن يظلمها، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وأن يختار صاحب الدين والخلق، كما قال صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وألا يكون الهم الشاغل منصبه وماله وجاهه، وغض النظر عن تلك الأساسيات.

ثم ماذا لو كانت الزوجة سيئة فعلا ونشزت عن زوجها ووصل الأمر إلى الطلاق وكانت هي الباغية؟ أليس جورا أن نلزم ذلك الزوج وقتها بأن يدفع قائمة تصل إلى مئات الآلاف وغالبا لا يكون يملك منها شيئا، فيكون مصيره السجن؟! الأمر حقا يحتاج إلى تفكير وتمعن، وأن تنظر إلى الأمر من ناحيتين: الأولى أنك والد الزوجة، والثانية أنك والد الزوج، وقس الأمر من الناحيتين بإنصاف.

هذا مجرد تأصيل وتأطير للموضوع، لكنه يحتاج إلى كثير بسط وتفصيل، ويبقى في النهاية أنه طرح يقبل النقاش الهادئ الخالي من التعصب للرأي والفكرة، الرامي إلى حلحلة المشكلة.


الاسمبريد إلكترونيرسالة